(عدن السبق)خاص:
ناقش خبراء محليون وأجانب، خلال ندوة افتراضية نظمها مركز سوث24 للأخبار والدراسات الإثنين الماضي، التحديات والفرص التي تعترض أو تعزز طريق الجنوبيين في مساعيهم نحو تأسيس دولة مستقلة في جنوب اليمن.
الندوة التي عُنونت بـ “نحو تحقيق السيادة الوطنية: التحديات والفرص في مسار الاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية”، شارك فيها كل من: عمرو البيض، الممثل الخاص لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي للشؤون السياسية، ود. نايل بارتريك، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، إلى جانب فريدة أحمد، المديرة التنفيذية لمركز سوث24. ود. عبد الجليل شائف، رئيس منظمة أصدقاء جنوب اليمن، وكارين دابروفوسكي، الصحفية والمؤلفة.
ويسّر الندوة على تطبيق زووم للاتصال المرئي، باحث الدكتوراه في جامعة يوتا الأمريكية والباحث المقيم في مركز سوث24، علاء محسن.
مشكلات وتعقيدات
يرى الخبير د. نايل بارتريك أن المجلس الانتقالي الجنوبي يتصدر اليوم جهود استعادة دولة الجنوب والاستقلال عن شمال اليمن، لكن مع تحديات وتعقيدات على مستويات متعددة تشمل الجوانب السياسة والأمنية والعسكرية والاجتماعية.
وبحسب بارتريك فإنّ “المجلس الانتقالي ليس اللاعب الوحيد في الجنوب، فهناك مؤثرون وفاعلون آخرون.” مشيرا إلى أنّ “الانتقادات حول أداء المجلس الانتقالي أيضًا كبيرة، وبالأخص فيما يتعلق بعلاقته مع دولة الإمارات”. وزعم بارتريك أن “تعدد الهويات الوطنية داخل الجنوب تشكل أيضًا تحديًا لمشروع المجلس باستقلال الجنوب”.
وأشار بارتريك إلى أن وجود المجلس الانتقالي ضمن الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي قد يُنظر إليه كتعارض وتناقض مع مشروع الاستقلال من قبل البعض. وأضاف: “قد تكون إحدى الحلول وفق نظر البعض هو الانسحاب من هذه العلاقة والسعي نحو الاستقلال بكل الوسائل. لكن المجلس سيكون مقيدا بما وصفها بارتريك “القرارات الدولية وحقيقة الشرعية اليمنية التي تمثل البلاد كلها”.
وذكر بارتريك أن دور مكافحة الإرهاب الذي يضطلع المجلس الانتقالي الجنوبي به يمثل تحديًا على المستوى الأمني.
نضال ممتد
من جهته قدّم عمرو البيض، الممثل الخاص لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عرضًا تاريخيًا للبدايات الأولى لانطلاق حركة التحرر الوطني والاستقلال في الجنوب. وقال إن إعلان فك الارتباط عن شمال اليمن من قبل الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض في مايو 1994 مثّل بداية لجهود استعادة دولة الجنوب، بعد انهيار مشروع الوحدة اليمنية الذي بدأ عام 1990.
وأضاف: “الأزمة في اليمن اليوم تقف على عاملين رئيسيين: الأول فشل مشروع الوحدة واحتلال الجنوب قبل ثلاثة عقود. والثاني الحرب التي شنها الحوثيون عام 2015. فيما يتعلق بالعامل الأول، فإن تبعات حرب 1994 نتج عنها حركة التحرر والمقاومة في الجنوب”.
وأردف البيض: “لقد اتخذت هذه الحركة أشكالًا وأنماطًا مختلفة بما في ذلك الحراك الجنوبي عام 2007، والمقاومة الجنوبية التي نشأت بعد 2012، وصولًا للمجلس الانتقالي الجنوبي في 2017”. وأردف: “الهدف الأساسي الذي شكل المجلس الانتقالي الجنوبي لأجله هو معالجة أزمة الوحدة وتحقيق استقلال الجنوب ضمن العملية السياسية الشاملة في اليمن.
ولفت البيض إلى أن التوقيع على اتفاق الرياض (2019) بين المجلس الانتقالي والحكومة اليمنية كان بهدف تمثيل قضية الجنوب ضمن العملية السياسية، وتقديم الخدمات والأمن للسكان. مضيفًا: “بعد 2022، حدث التحول السياسي الكبير بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وقد تم الاتفاق على معالجة مشكلة الوحدة ضمن إطار خاص في عملية السلام”
.
تهديدات أمنية وعسكرية
المديرة التنفيذية لمركز سوث24 فريدة أحمد قالت إن الجنوبيين يواجهون تهديدات أمنية وعسكرية واسعة، وبالتحديد الهجمات التي تنفذها الجماعات الإرهابية في أبين وشبوة وغيرها من المحافظات. مضيفة: “المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت هي موطن واضح للنفوذ الشمالي الخطير بالقرب من منابع النفط، وهذا تهديد للجنوب وجهود استعادة الدولة”.
واعتبرت: “سيطرة الحكومة اليمنية على هذه المنطقة محل شك. فمن غير المعروف من يتحكم بهذه المنطقة، وهذا يجعلها تحديًا رئيسيًا باستمرار”.
وبالرغم إنّ “الحوثيين تهديد عسكري استراتيجي، لكنهم ليسوا وحدهم.” معتبرة “القوى الشمالية مثل حزب الإصلاح وغيرها هي تهديدات محتملة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمسألة الوحدة وفرضها قسريًا”.
ولفتت الخبيرة إلى التهديد الجديد الذي تواجهه جزيرة سقطرى الجنوبية بالنظر للهجمات البحرية التي يشنها الحوثيون بدعم إيراني في خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، فضلًا عن التقارير الاستخباراتية بشأن تعاونهم مع حركة الشباب الصومالية المتطرفة القريبة جغرافيًا من الأرخبيل.
الجوانب الاجتماعية والاقتصادية
اقتصاديا، قال رئيس منظمة أصدقاء جنوب اليمن، والرئيس السابق للمنطقة الاقتصادية الحرة في عدن، د. عبد الجليل شائف، إن اليمن اليوم منقسمة على اقتصادين الأول في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين، والثاني في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية وبشكل رئيسي في الجنوب.
واعتبر شائف “الوضع الاقتصادي [في السابق] لدولة الجنوب كان أفضل بكثير مما هو عليه الآن وهذا يظهر مدى فشل الوحدة على هذا المستوى”.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن هناك “كارثة إنسانية مهملة” في الجنوب اليوم نظرًا لانهيار العملة المحلية وتضاعف أسعار الغذاء. محذرا /، أنّ الناس يتجهون “نحو كارثة إنسانية اقتصادية في مناطق الحكومة وهذا سيؤدي إلى تغييرات ديناميكية وسياسية كبيرة، قد تشمل تسريع عملية الاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية”.
وأضاف: “ثروات الجنوب في حضرموت وشبوة وعدد السكان تجعل الفرص الاقتصادية الاستراتيجية للجنوب كبيرة حتى بالنسبة للجيران في الشمال. وبحسب شائف فإنّ “هذه الإمكانات تشجعنا كجنوبيين نحو بناء الدولة المستقلة”.
وأشار شائف إلى أن حجم الناتج المحلي الإجمالي لجنوب اليمن في السابق بلغ 40 مليار دولار في حين انخفض هذا الرقم الآن إلى 18 مليار دولار.
الاعتراف الدولي
على صعيد آخر، قالت، المؤلفة والصحفية كارين دابروفسكي إن “اكتساب الاعتراف الدولي أمر مهم بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي لاستعادة الدولة، لكن هذا قد لا يكون متوافقًا مع المزاج العالمي”. مضيفة: “لقد حدثت تطورات مهمة، لقد كان ألقى رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي خطابًا أمام مجلس الأمن الدولي في سبتمبر الماضي. وتحدث مع الولايات المتحدة وبريطانيا”.
وأضافت: “المجلس الانتقالي مازال يفتقر إلى الدعم الكامل من أي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي. حتى روسيا التي احتفظت بعلاقات تاريخية مع جنوب اليمن ودعمت دولته بين 1967 -1990، ولكن بوتين منشغل بأوكرانيا وهذا يجعل اليمن أولوية متدنية”.
وزعمت دابروفسكي، أنّ “روسيا تدعم الحوثيين بصور الأقمار الصناعية لاستهداف السفن نكاية بالولايات المتحدة”.
وأضافت: “إذا أراد الجنوبيون استعادة الدولة فإن الطريق الوحيد هو إعلان ذلك من طرف واحد ولكن المجتمع الدولي قد يتخلى عنهم. لننظر إلى حالة الأكراد في العراق”. ومع ذلك، شددت دابروفسكي على أنه “إذا لم يحدث إعلان الدولة الجنوبية الآن فمتى؟ سيكون اليمن دولة منسية مع عقد جديد من الصراعات الداخلية”.
الشراكة مع الشماليين
ومن بين التحديات، قال عمرو البيض إن نسبة تمثيل الجنوب والشمال في المجلس الرئاسي تسببت بمشكلة في عملية صنع القرار والتغيير بالنسبة للجنوبيين، كما أنها تتعارض مع حقيقة أن الجنوب اليوم يمثل معظم الجغرافيا غير الخاضعة للحوثيين. مضيفًا: “ليس هناك سبيل سهل للعمل وتقديم الخدمات وأداء مهمة الدولة في ظل هذه التعقيدات والمشاريع المتباينة داخل الحكومة والمجلس الرئاسي”.
وأردف: “مع ذلك فإن انضمامنا إلى الحكومة ومحاولة التغيير من الداخل أعطانا فرصة لفهم الأمور من الداخل. نحن جزء من الحكومة، ولكن في الوقت عينه فإننا حركة تحرر. هذا وضع هجين بالطبع، لكنه كان ضروريًا”.
الدور السعودي
شكك نايل بارتريك بالدور السعودي في الجنوب، مشيرًا إلى المجالس الجهوية التي شكلتها الرياض مؤخرًا وفي مقدمتها “مجلس حضرموت الوطني”. مضيفًا: “لا نعرف ما المقصود بـ “الوطني” في مجلس حضرموت الوطني الذي شكلته السعودية، وهي قد تروج لفكرة فصل حضرموت عن الجنوب لأهداف اقتصادية؛ مثل أنبوب النفط الذي يعفي السعودية من مضيق هرمز ويصلها ببحر العرب عبر حضرموت”.
ومع ذلك، يعتقد بارتريك أن حالة من القلق والتحفظ تسود بعض الجنوبيين في مناطق مثل وادي حضرموت والمهرة لأسباب تاريخية متعلقة بالدولة المركزية التي قادها النظام الاشتراكي خلال دولة اليمن الجنوبي سابقًا، وما خلفته من مظالم.
ورد على ذلك، قال عمرو البيض أن المجلس الانتقالي الجنوبي يتبنى مشروع دولة فيدرالية اتحادية وليست مركزية من أجل معالجة أي مخاوف أو شكوك، وتجنب أخطاء الماضي. مضيفًا: “هذا يتضمن أقاليم أو محافظات ذات حكم ذاتي واستقلالية، ومنها حضرموت بالطبع”.
وحدة القوات العسكرية
عسكريا، تعتقد فريدة أحمد أن القوات الجنوبية تعتبر أكثر تنظيمًا من غيرها في اليمن، لكن مع حاجة للهيكلة والتنظيم. ورغم ذلك فهي “تواجه مزيجًا من التحديات العسكرية والأمنية التي تربك أي قوة منظمة. كما أن مسألة تمويل هذه القوات يجب الانتباه لها لتحقيق الفعالية الكاملة”. مشيرة إلى القوات التي تمولّها كل من السعودية والإمارات في جنوب اليمن، وضرورة البحث عن تمويل ذاتي يعزز استقلالية المؤسسات.
واقترحت أحمد إنشاء قيادة موحدة للقوات العسكرية والأمنية في الجنوب مثل (الهيئة العامة للدفاع الوطني الجنوبي) أو (المجلس الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية). وشددت على ضرورة الاستفادة من الوجود ضمن الحكومة والمجلس الرئاسي في إيفاد الكوادر الأمنية والعسكرية الجنوبية إلى الخارج لاكتساب الخبرات المطلوبة.
الإجماع الداخلي
ولتجاوز بعض التحديات، شددت كارين دابروفسكي على أنه “يجب أن يكون هناك إجماع داخلي على استعادة دولة الجنوب مهما تباينت الآراء في أي مستوى آخر”. وأضافت: “هذا أمر مطلوب لإن الوضع يسير نحو المجهول والجنوب يتجه نحو اللامكان، وهذا يجعل الخطوات الراديكالية مثل الاستقلال من طرف واحد خيارات واقعية اليوم”.
وبالنسبة لـ د. عبد الجليل شايف، فإن حالة الوحدة الوطنية والإجماع الداخلي في الجنوب بشأن الاستقلال قوية وحاضرة. مضيفًا: “معظم الجنوبيين يدعمون الاستقلال وهذا أمر معروف. لقد دخل المجلس الانتقالي الجنوبي ضمن الحكومة والمجلس الرئاسي للعمل سويًا مع الشركاء المحليين والإقليميين والدوليين من أجل حل سلمي للأزمة”.
وأضاف: “اليمن ليست موحدة اليوم هناك حكومتان وبنكان مركزيان والحوثيون هم من يرفضون الوحدة والشراكة الحقيقية ولا خيار للجنوب إلا الاستقلال”.